لو أراد لص أن يسرق لغطى وجهه بقناع حتى لا يعرف، وإذا كان المكان مراقباً فإنه يسعى للتخفي عن آلة التصوير حتى لا تلتقط له صورة.
وإذا كان هناك كشافات فإنه يسعى لتجنبها أو القيام بالسرقة وقت إطفائها حتى يتستر بالظلام.
ما علاقة هذا بالقرآن؟
نحن نعلم بأن الله تعالى أنزل كتابه على رسوله وقال سبحانه: { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ } (الأنعام : 38 ) وقال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل : 89 ).
ولذلك لما تسلط أعداء الإسلام على أمة الإسلام ظلماً وعدوانا، وأحياناً بحجج واهية كبيت العنكبوت وجدوا أن القرآن الكريم يكشفهم كما يكشف النور اللص، فالله يقول: {وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (الشورى : 52). ولذلك فهم لا يحتملون نور القرآن فيضيقون به ذرعا ويكشف الله حالهم بقوله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (الحج : 72).
فهو يكشف مخططاتهم كما تكشف أجهزة المراقبة حركات اللصوص، بل وجدوا أن القرآن يبين للمؤمنين أمورا أبعد من ذلك. يبين لهم كيف يفكر أعداؤهم ، وما هي الغايات التي يسعون إليها.
فخذ في كشف مخططاتهم قول الله تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال : 30). {وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (آل عمران : 72).
وخذ في كشف حركاتهم قول الله تعالى: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} (النمل : 49).
وخذ في كشف طريقة تفكيرهم: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} (هود : 91) وخذ قوله تعالى: {وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ } (الحشر : 2).
وخذ في فضح غايتهم قوله تعالى: { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ} (البقرة : 217). وقوله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (الصف : 8 )
بل خذ في كشفهم حتى في أمنياتهم قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة : 109).
وخذ في كشف حقيقة تعاملهم قوله تعالى: {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} (التوبة :
.
وكما فضح القرآن الأعداء الظاهرين، فقد فضح الأعداء الداخليين من أهل النفاق والزندقة، وفضحهم في صدر سور البقرة فقال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} وذكر من أوصافهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} (البقرة : 11) وذكر من أوصافهم {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ} (البقرة : 13). واقرأ في أوصافهم قوله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (التوبة: 67).
وكل آية في سورة التوبة تبدأ بـ {ومنهم..} وكذا سورة المنافقون وسورة النساء.
لقد عرف أعداؤنا وأذنابهم هذا عن كتاب ربنا، فخافوا منه، وحرصوا على إبعاد الأمة عنه، وإشغالها بغيره.
فمن حملات التشويه إلى محاولات الحرق، إلى وضع كتاب سموه زورا وبهتانا (الفرقان) ، إلى وصفه بالكتاب الذي يعلم الإرهاب، إلى محاولات تحريف معانيه ومفاهيمه، وليس آخر محاولاتهم نزع بعض آياته من المناهج التعليمية في بعض بلاد المسلمين.
ولهم في ذلك أساليب ومخططات، لكن: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال: 30) (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة : 32 ).
ولذلك كان من واجب أبناء الأمة أن يفزعوا إلى كتاب ربهم، وينهلوا من معينه ويتعلموا في مدرسته، حتى يوفروا على أنفسهم وعلى أمتهم عناء دراسة طبيعة العدو ومخططاته، ويستعدوا لمواجهته بالإيمان الراسخ واليقين الثابت بنصر الله.
وكان من الواجب عليهم أن يرجعوا إلى القرآن تلاوة وحفظا وتدبراً وفهما وعملا وتعلما وتعليما ليتزودوا بالإيمان اللازم ، ولئلا يصير حالهم كحال من سبقهم من الأمم: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (الجمعة: 5).
اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك.